کد مطلب:370242 شنبه 19 خرداد 1397 آمار بازدید:647

الفصل الأول: العرب والعراقیون فی کلمات أمیر المؤمنین (علیه السلام)














الصفحة 24












الصفحة 25


بدایة:


إنه إذا كان لابد لنا من إلقاء نظرة فاحصة على حقیقة الظروف التی كان یعانی منها أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی العراق، والتی أفرزت الكثیر من المفارقات، وخلقت أو ساعدت على خلق وحدوث الكثیر من المشاكل والعوائق أمام مسیرة الحق والعدل، التی بدأها (علیه السلام) فی هذا المجتمع الجدید، وعلى نطاق الدولة الإسلامیة أجمع، وحتى بالنسبة للمجتمع البشری ككل.. فإننا نجد أنفسنا مضطرین إلى الإشارة إلى واقع المجتمع العراقی، الذی كان (علیه السلام) یتعامل معه، وكان قد فرض علیه صلوات الله وسلامه علیه أن یتخذه قاعدة لانطلاقه، ومحوراً لتحركاته.. لنتعرف بالتالی على المناخ الذی جعل من ظهور فرقة «الخوارج» التی نحن بصدد الحدیث عنها، أمراً ممكناً، له أسبابه الموضوعیة على صعید الواقع الخارجی، الذی كان (علیه السلام) یتعامل معه، ویسجل موقفاً تجاهه..


ولكننا قبل بدء الحدیث حول هذا الموضوع نرى أن من المناسب أن نلم بإضمامة من أقواله (علیه الصلاة والسلام) عن معاصریه من العراقیین ولهم، لتكون خیر شاهدٍ، وأفضل بیان یوضح لنا ما كان یعانی منه ذلك












الصفحة 26


الرجل المظلوم، الذی كان قد بلغ به الأمر حداً جعله یقول لأهل العراق:


«لقد ملأتم قلبی قیحاً، وشحنتم صدری غیظاً، وجرعتمونی نغب التهمام أنفاساً».


فنقول:


العراقیون.. فی كلام علی (علیه السلام):


ونقتطف من كلامه (علیه السلام)، الذی ورد فی نهج البلاغة، وفی مصادر كثیرة ما یلی:


قال (علیه السلام) فی نهج البلاغة الخطبة رقم [25] بترقیم المعجم المفهرس للدشتی: «.. إنی والله، لأظن: أن هؤلاء القوم سیدالون منكم، باجتماعهم على باطلهم، وتفرقكم عن حقكم، وبمعصیتكم إمامكم فی الحق، وطاعتهم إمامهم فی الباطل، وبأدائهم الأمانة إلى صاحبهم، وخیانتكم، وبصلاحهم فی بلادهم وفسادكم؛ فلو ائتمنت أحدكم على قعب لخشیت أن یذهب بعلاقته.


اللهم إنی قد مللتهم وملونی؛ وسئمتهم وسئمونی، فأبدلنی بهم خیراً منهم، وأبدلهم بی شراً منی»(1).


وقال (علیه السلام) فی الخطبة رقم [27] بترقیم المعجم:


«عجباً والله یمیت القلب ویجلب الهم، من اجتماع هؤلاء القوم على


____________



(1) وراجع: شرح النهج للمعتزلی ج1 ص332 والثقات ج2 ص351 وفیه زیادات واختلاف.
















الصفحة 27


باطلهم، وتفرقكم عن حقكم، فقبحاً لكم وترحاً، حین صرتم غرضاً یرمى، یغار علیكم ولا تغیرون، وتُغزون ولا تَغزون، ویعصى الله وترضون، فإذا أمرتكم بالسیر إلیهم فی أیام الحر قلتم: هذه حمَّارة القیظ».


إلى أن قال (علیه السلام): «یا أشباه الرجال ولا رجال، حلوم الأطفال، وعقول ربات الحجال، لوددت إنی لم أركم ولم أعرفكم، معرفة والله جرت ندماً، وأعقبت سدماً، قاتلكم الله لقد ملأتم قلبی قیحاً، وشحنتم صدری غیظاً، وجرعتمونی نغب التهمام أنفاساً الخ..».


وقال (علیه السلام) فی الخطبة رقم [29] بترقیم المعجم: «أیها الناس المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم، كلامكم یوهی الصم الصلاب، وفعلكم یطمع فیكم الأعداء»(1).


وقال (علیه السلام) فی الخطبة رقم [39] من نهج البلاغة بترقیم المعجم: «منیت بمن لا یطیع إذا أمرت، ولا یجیب إذا دعوت لا أبا لكم ما تنتظرون بنصركم ربكم؟! أما دین یجمعكم؟ ولا حمیة تحمشكم؟ أقوم فیكم مستصرخاً، أنادیكم متغوثاً، فلا تسمعون لی قولاً، ولا تطیعون لی أمراً، حتى تكشف الأمور عن عواقب المساءة الخ»(2).


وقال (علیه السلام): «إذا دعوتكم إلى جهاد عدوكم دارت أعینكم، كأنكم من الموت فی غمرة، ومن الذهول فی سكرة. یرتج علیكم حواری فتعمهون؛ فكأن قلوبكم مألوسة فأنتم لا تعقلون. ما أنتم لی بثقة


____________



(1) وراجع فی هذا النص أیضاً الفتوح لابن اعثم ج4 ص100 و101.


(2) نهج البلاغة ج1 ص86.













الصفحة 28


سجیس اللیالی، وما أنتم بركن یمال بكم، ولا زوافر عز یفتقر إلیكم. ما أنتم إلا كإبل ضل رعاتها، فكلما جمعت من جانب انتشرت من آخر»(1).


وقال (علیه السلام): «إنكم ـ والله ـ لكثیر فی الباحات, قلیل تحت الرایات. وإنی لعالم بما یصلحكم ویقیم أودكم، ولكنی والله لا أرى إصلاحكم بإفساد نفسی. أضرع الله خدودكم، وأتعس جدودكم. لا تعرفون الحق كمعرفتكم الباطل، ولا تبطلون الباطل كإبطالكم الحق»(2).


وقال (علیه السلام) فی الخطبة رقم [97] بترقیم المعجم: «أیها القوم الشاهدة أبدانهم، الغائبة عنهم عقولهم، المختلفة أهواؤهم، المبتلى بهم أمراؤهم، صاحبكم یطیع الله وأنتم تعصونه، وصاحب أهل الشام یعصی الله وهم یطیعونه، لوددت والله أن معاویة صارفنی بكم صرف الدینار بالدرهم، فأخذ منی عشرة منكم وأعطانی واحداً منهم».


وقال (علیه السلام) فی الخطبة رقم [106] بترقیم المعجم: «وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تغضبون وأنتم لنقض ذمم آبائكم تأنفون. وكانت أمور الله علیكم ترد، وعنكم تصدر، وإلیكم ترجع»الخ..


وقال (علیه السلام) فی نهج البلاغة الخطبة [108] بترقیم المعجم المفهرس للدشتی: «ما لی أرى أشباحاً بلا أرواح، وأرواحاً بلا أشباح، ونسّاكاً بلا صلاح، وتجاراً بلا أرباح، وأیقاظاً نوماً، وشهوداً غیباً،


____________



(1) نهج البلاغة ج1 ص78 و79 وشرح نهج البلاغة للمعتزلی ج2 ص189.


(2) شرح نهج البلاغة للمعتزلی ج6 ص102.













الصفحة 29


وناظرة عمیاء، وسامعة صماء، وناطقة بكماء».


وقال فی الخطبة رقم [121] بترقیم المعجم: «هذا جزاء من ترك العقدة! أما والله لو أنی حین أمرتكم به حملتكم على المكروه الذی یجعل الله فیه خیراً فإن استقمتم هدیتكم، وإن اعوججتم قومتكم، وإن أبیتم تداركتكم، لكانت الوثقى. ولكن بمن وإلى من؟! أرید أن أداوی بكم وأنتم دائی، كناقش الشوكة بالشوكة، وهو یعلم أن ضلعها معها. اللهم قد ملت أطباء هذا الداء الدوی, وكلت النزعة بأشطان الركی. أین القوم الذین دعوا إلى الإسلام فقبلوه, وقرؤوا القرآن فأحكموه, وهیجوا إلى الجهاد فولهوا وله اللقاح إلى أولادها الخ..».


وقال (علیه السلام) فی الخطبة رقم [180] بترقیم المعجم المفهرس للدشتی: «أحمد الله على ما قضى من أمر، وقدر من فعل، وعلى ابتلائی بكم أیتها الفرقة التی إذا أمرت لم تطع وإذا دعوت لم تجب إن أمهلتم خفتم، وإن حوربتم خُرتم وإن اجتمع الناس على إمام طعنتم»(1).


وقال (علیه السلام) فی الخطبة رقم [208] بترقیم المعجم المفهرس للدشتی: «أیها الناس إنه لم یزل أمری معكم على ما أحب حتى نهكتكم الحرب، وقد والله أخذت منكم وتركت وهی لعدوكم أنهك، لقد كنت أمس أمیراً فأصبحت الیوم مأموراً وكنت أمس ناهیاً فأصبحت الیوم منهیاً وقد أحببتم البقاء ولیس لی أن أحملكم على ما


____________



(1) راجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلی ج10 ص67 عن تاریخ الامم والملوك 2/3/1681 و1682..













الصفحة 30


تكرهون»(1).


وقال (علیه السلام) فی الخطبة رقم [192] بترقیم المعجم: «ألا وإنكم قد نفضتم أیدیكم من حبل الطاعة، وثلمتم حصن الله المضروب علیكم بأحكام الجاهلیة الخ..».


وقال (علیه السلام) فی الخطبة رقم [192] بترقیم المعجم: «واعلموا أنكم صرتم بعد الهجرة أعراباً، وبعد الموالاة أحزاباً. ما تتعلقون فی الإسلام إلا باسمه، ولا تعرفون من الإیمان إلا رسمه.. ألا وقد قطعتم قید الإسلام وعطلتم حدوده، وأمتم أحكامه».


قریش والعرب، وعلی (علیه السلام):


كانت تلك بعض كلمات أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی بیان حال أصحابه، كما وردت فی كتاب نهج البلاغة.


ولعل أكثر ما تقدم قد صدر عنه (علیه السلام) بعد حرب الجمل، وصفین كما یظهر، بل هو صریح بعض النصوص الآتیة..


وتلك الكلمات ناطقة بأنه (علیه السلام) كان یعانی من مشكلات كبیرة مع أصحابه، وأنهم كانوا لا یطیعونه، ولا ینقادون لأوامره فی كثیر من الأحوال..


ولا یختص ذلك بالعراقیین، بل هو ینسحب على قریش، وعلى العرب بصورة عامة..


وقد أكدت ذلك النصوص الكثیرة الأخرى أیضاً..


____________



(1) شرح النهج للمعتزلی ج11 ص29 وج2 ص219 و220.













الصفحة 31


ونحن نشیر هنا إلى النصوص التالیة:


وقال معاویة، وهو یتحدث عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) وعن نفسه:


«.. وكان فی أخبث جند، وأشدهم خلافاً. وكنت فی أطوع جند، وأقلهم خلافاً»(1).


وكان أمیر المؤمنین (علیه الصلاة والسلام) یردد:


 









ولكنی متى أبرمت أمراً منیت بخلف آراء الطغام(2)



وقال الدكتور نایف معروف:


«وقد حمّل [میور] علیاً مسؤولیة وجود تلك العناصر الهدامة بین أتباعه حین قال: [إن علیاً قد سمح لنفسه أن یضم إلى جیشه الخونة والقتلة، فكان علیه أن یجنی الثمار المرة، فی الوقت الذی كان فیه معاویة هو الرابح الوحید].


ولكن یبدو أن [میور] قد حمّل علیاً ما هو فوق طاقته؛ فأمیر المؤمنین لم یكن بقادرٍ على تحدید هویة أولئك المخادعین؛ لیفرز الخونة جانباً؛ خصوصاً وأنهم من زعماء القبائل التی تسانده، وتحارب إلى جانبه، والتی لا یستطیع إغضابها، والاستغناء عن مساندتها له.


كما أن زعم «ماكدونالد» بأن علیاً لم یكن رجل سیاسة فیه جهل بشخصیة الإمام، الذی كان رجل عقیدة، یعمل بموجبها، ویلتزم بأحكام


____________



(1) الخوارج فی العصر الأموی ص70 عن المحاسن والمساوئ للبیهقی ص376.


(2) شرح النهج للمعتزلی ج4 ص18/19 وعنه فی كتاب: الخوارج فی العصر الأموی ص71.













الصفحة 32


اجتهاداته من خلالها»(1).


ونقول:


لسوف یتضح من خلال هذا البحث: أن أمیر المؤمنین (علیه السلام) قد بلغ فی سیاسته الحكیمة درجة الإعجاز، فإنه قد قاتل أولاً جیشاً فیه طلحة والزبیر، وهما من أهل السابقة فی الإسلام، ومعهما التأیید القرشی القوی، وقد كان لقریش نفوذ كبیر فی الناس ومعهما أیضاً زوجة النبی وابنة الخلیفة الأول، ومدلَّلة عمر بن الخطاب, الرجل الذی كان قوله فی العرب كالشرع المتبع كما سنشیر إلیه إنشاء الله..


ثم حارب معاویة وجیشه الذی كان أكثر من مئة ألف رجل وقد تحدث معاویة نفسه عن الواقع الذی كان یعانی منه أمیر المؤمنین، وعن الامتیاز الذی لمعاویة فی جیشه من أهل الشام..


ثم حارب خوارج أهل العراق بأهل العراق أنفسهم، فقتلوا إخوانهم وابناءهم وآباءهم فیهم.


كل هذا قد كان والحال: أنه (علیه السلام) لم یكن جیشه موالیاً له، بل لم یكن معه خمسون رجلاً یعتقدون بإمامته، كما سنذكره وكان فی أخبث جیش، وكان عدوه فی أطوع جیش، حسب قول معاویة.. وهل یستطیع أحد أن یحارب أعدائه بأعدائه، والحال أن الذین یحاربهم یملكون امتیازات بهذا الحجم، ثم هو ینتصر علیهم جمیعاً؟! إن ذلك لعجیب حقاً وأی عجیب!!


وقد روى الصدوق رحمه الله قال: «حدثنی محمد بن الحسن بن


____________



(1) الخوارج فی العصر الأموی ص72..













الصفحة 33


الولید رضی الله عنه، عن المفضل بن قیس، عن أبی عبد الله (علیه السلام)، قال: كم شیعتنا بالكوفة؟


قال: قلت: خمسون ألفاً.


قال: فما زال یقول، حتى قال: أترجو أن یكونوا عشرین؟


ثم قال (علیه السلام): والله، لوددت أن یكون بالكوفة خمسة وعشرون رجلاً یعرفون أمرنا الذی نحن علیه، ولا یقولون علینا إلا بالحق»(1).


فإذا كان هذا هو الحال فی زمن الإمام الصادق (علیه السلام) الذی ظهرت فیه الكوفة على أنها عاصمة التشیع لعلی (علیه السلام) وأهل بیته (علیهم السلام).


وقد كتب (علیه السلام) إلى أخیه عقیل: «ألا وإن العرب قد أجمعت على حرب أخیك إجماعها على حرب رسول الله (صلى الله علیه وآله) قبل الیوم؛ فأصبحوا قد جهلوا حقه، وجحدوا فضله، وبادروه بالعداوة، ونصبوا له الحرب، وجهدوا علیه كل الجهد، وجرُّوا إلیه جیش الأحزاب الخ..»(2).


وقال (علیه السلام) لعدی بن حاتم فی صفین: «أدن. فدنا، حتى وضع أذنه عند أنفه، فقال: ویحك، إن عامة من معی الیوم یعصینی، وإن معاویة فی من یطیعه، ولا یعصیه»(3).


____________



(1) صفات الشیعة ص14/15..


(2) شرح النهج للمعتزلی ج2 ص119 والغارات للثقفی ج2 ص421 والبحار ج8 ط قدیم ص621 والدرجات الرفیعة ص156 ونهج السعادة ج5 ص202.


(3) شرح النهج للمعتزلی ج8 ص77.













الصفحة 34


ویقول الثقفی: «قد كان الناس كرهوا علیاً، ودخلهم الشك والفتنة، وركنوا إلى الدنیا، وقلّ مناصحوه؛ فكان أهل البصرة على خلافه والبغض له، وجلّ أهل الكوفة، وقراؤهم، وأهل الشام، وقریش كلها»(1).


ویقول أیضاً: «.. وكانت قریش كلها على خلافه مع بنی أمیة»(2).


وقد تحدثنا عن موقف قریش منه (علیه السلام) فی مقال لنا حول الغدیر، فی الجزء الثالث من كتاب «دراسات وبحوث فی التاریخ والإسلام»، فلیراجع.


وحین قیل لعلی (علیه السلام) لما كتبت الصحیفة: إن الأشتر لم یرض بما فی هذه الصحیفة، ولا یرى إلا قتال القوم، فقال علی (علیه السلام): بلى، إن الأشتر لیرضى إذا رضیت.. إلى أن قال: «لیت فیكم مثله اثنین، بل لیت فیكم مثله واحداً یرى فی عدوه مثل رأیه. إذن لخفَّت علی مؤونتكم ورجوت أن یستقیم لی بعض أودكم»(3).


أما ابن كثیر، فیقول: «واستقر أمر العراقیین على مخالفة علی فیما یأمرهم، وینهاهم عنه، والخروج علیه، والبعد عن أحكامه، وأقواله، وأفعاله، لجهلهم، وقلة عقولهم، وجفائهم، وغلظتهم، وفجور كثیر منهم»(4).


وروی عن الباقر (علیه الصلاة والسلام) قوله: «كان علی بن أبی


____________



(1) الغارات ج2 ص454.


(2) الغارات ج2 ص569..


(3) صفین ص521 والكامل فی التاریخ ج3 ص322 والمعتزلی ج2 ص240..


(4) البدایة والنهایة ج7 ص317 وراجع ج8 ص11 أعنی قوله (علیه السلام): إنی مللتهم وملونی الخ..













الصفحة 35


طالب (علیه السلام) عندكم بالعراق، یقاتل عدوه، ومعه أصحابه، وما كان خمسون رجلاً یعرفونه حق معرفته، وحق معرفته إمامته..»(1).


وأما فیما یرتبط بالأسباب التی نشأت عنها هذه الحالة، فهی كثیرة، ونشیر هنا إلى بعضها:


قریش.. وحقدها..


إن ذلك النشاط الواسع، الذی كانت تقوم به قریش، ومن یدور فی فلكها من الصحابة، وغیرهم، وبالأخص الأخطبوط الأموی، فی مختلف أرجاء الدولة الإسلامیة، والرامی إلى تألیب الناس ضد علی (علیه السلام)، وصرفهم عن تأییده ونصره ـ إن ذلك ـ لیدل على مدى حقدهم على علی (علیه السلام) وكرههم لأمره.


وقد كانت قریش على درجة عالیة من التمرس فی حیاكة المكائد، وفی مكر السیاسة، وكانت تتمتع بدرجة عالیة من النفوذ بین الناس عموماً لأسباب عدیدة، لیس هنا محل بحثها..


وسبب حقدها هذا على علی (علیه السلام) یرجع إلى أمور كثیرة، فهو قد قتل فی حرب بدر من رجالها وصنادیدها نصف السبعین، وشارك فی قتل النصف الآخر(2)، الذین كانوا كأن وجوههم سیوف الذهب، على حد قول عثمان لعلی (علیه السلام) مباشرة(3).


هذا.. بالإضافة إلى حسدها القوی له (علیه السلام)، وبغیها علیه، لما


____________



(1) اختیار معرفة الرجال ص6.


(2) راجع الصحیح من سیرة النبی الأعظم (صلى الله علیه وآله) ج3 ص202 ـ 204..


(3) معرفة الصحابة لأبی نعیم، مخطوط فی مكتبة: طوب قبوسرای رقم 1/497/أ الورق22. وشرح النهج للمعتزلی ج9 ص23 والجمل ص99.













الصفحة 36


كان یتمتع به من فضائل ومزایا؛ ثم العنایة الخاصة التی كان النبی (صلى الله علیه وآله) وسلم یولیه إیاها.. ولأمور أخرى.. وقد ذكر ذلك أبو الهیثم ابن التیهان رحمه الله تعالى، فی كلام له هام وجید(1) فلیراجع.


كما أن الثقفی یقول: «كانت قریش كلها على خلافه مع بنی أمیة»(2).


وأمیر المؤمنین (علیه السلام) نفسه قد أعلن فی مناسبات كثیرة عن عداء قریش له، وتصغیرها عظیم منزلته، وبغیها علیه، وسعیها إلى نقض أمره، وتمییع قضیته، والنصوص فی هذا المجال كثیرة(3) ورسالة علی (علیه السلام) لأخیه عقیل التی یقول فیها: إن قریشاً أجمعت على حربه إجماعها على حرب رسول الله الخ.. هذه الرسالة خیر شاهد على ذلك(4).


ولا یجب أن ننسى هنا دعایات معاویة وحزبه ضده (علیه السلام)، فقد كان یتهمه ـ مثلاً ـ بأنه كان حاسداً للخلفاء قبله، باغیاً علیهم، وأنه كان یقاد للبیعة كما یقاد الجمل المخشوش(5).


وأنه لم یزل من أول الأمر معجباً بنفسه، مدلاً بقرابته، لا یرى لغیره


____________



(1) راجع: الأوائل، لأبی هلال العسكری ج1 ص316/317.


(2) الغارات ج2 ص569.


(3) راجع: نهج البلاغة، شرح عبده، الرسالة رقم36 وقسم الخطب رقم 212 و32 و137 وشرح النهج للمعتزلی ج6 ص96 وج2 ص119 والغارات ج1 ص309 وج2 ص454 و429 و430 وأنساب الأشراف [بتحقیق المحمودی] ج2 ص74 فما بعدها، والبحار ط قدیم ج8 ص621. وكتابنا: دراسات وبحوث فی التاریخ والإسلام ج1 ص175 و176 للاطلاع على مصادر أخرى. والإمامة والسیاسة ج1 ص155.


(4) المعیار والموازنة ـ ص180.


(5) نهج البلاغة، الرسالة رقم 28..













الصفحة 37


حقاً فی الخلافة.


وأنه كان هو السبب فی مقتل عثمان(1)، إلى غیر ذلك من دعایات مغرضة، تهدف إلى إبعاد الناس عنه، والحط منه (علیه السلام)، والنیل من شخصیته.


خلاصة جامعة:


ونستخلص من كلماته (علیه الصلاة والسلام) المتقدمة أموراً كثیرة، ونستطیع أن نجملها على النحو التالی:


1 ـ بالنسبة إلى إمامهم، وتعاملهم معه نجد:


ألف: أنهم یعصونه فی الحق، ولا یطیعونه إذا أمرهم أو دعاهم، ولا یسمعون قوله، ولا یجیبون صرخته، واستغاثته.. حسب التعبیرات المختلفة التی وردت عنه (علیه السلام)..


ب: إنهم قد ملوا قائدهم، وإمامهم وسئموه.


ج: إنهم یصدرون الأوامر والنواهی لأمیرهم..


2 ـ وأما بالنسبة لأمر الجهاد فإنهم:


ألف: قد أصبحوا غرضاً یرمى، یغار علیهم، ولا یغیرون، ولا یُغزَونَ، ولا یغزون، كثیر فی الباحات قلیل تحت الرایات.


ب: إذا أمروا بالجهاد، یتعللون بالمعاذیر، بالحر تارة، وبالبرد أخرى.


____________



(1) راجع ذلك فی نهج البلاغة، قسم الكتب تحت رقم 48 ط الدار الإسلامیة وط1 سنة 1414 ونفس المصدر كتاب رقم 57 من نفس الطبعة.













الصفحة 38


ج: إنهم یصابون ـ إذا أمروا بالنفر إلى الجهاد ـ بالذعر والخوف.


د: كلامهم یوهی الصم الصلاب، وفعلهم یطمع فیهم الأعداء.


هـ: یؤثرون البقاء على لقاء الله والجهاد فی سبیله.


و: إن حوربوا خاروا وإن أمهلوا خاضوا.


3 ـ بالنسبة إلى حالتهم مع بعضهم البعض فإنهم:


ألف: متفرقون عن حقهم.


ب: إن أمهلوا خاضوا.


ج: أهواؤهم مختلفة.


د: هم كإبل ضل رعاتها، كلما جمعت من جانب انتشرت من آخر.


هـ: صاروا بعد الموالاة أحزاباً، حیث یظهر: أن المقصود هو أنهم أصبحوا شیعاً وأحزاباً متدابرین، بعد أن كانوا یداً واحدة یوالی ویحب بعضهم بعضاً.


4 ـ وأما بالنسبة للدین والتدین فإنهم:


ألف: یرضون بمعصیة الله سبحانه ویرون عهود الله منقوضة ولا یأنفون، ولكنهم یأنفون لنقض ذمم آبائهم.


ب: لا یعرفون الحق كمعرفتهم الباطل، ولا یعرفون من الإیمان إلا اسمه.


ج: لا یبطلون الباطل كإبطالهم الحق.


د: هم نساك بلا صلاح.












الصفحة 39


هـ: قد ثلموا حصن الله المضروب علیهم بأحكام الجاهلیة.


و: قد قطعوا قید الإسلام، وعطلوا حدوده، وأماتوا أحكامه.


ز: ما یتعلقون من الإسلام إلا باسمه.


5 ـ وحول مقدار وعیهم، وإدراكهم لمقتضیات الحكمة.


ألف: أیقاظ نوّم، وشهود غیب، وناظرون عمی، وسامعون صم، وناطقون بكم، أبدانهم شاهدة، وعقولهم غائبة عنهم.


ب: هم أشباح بلا أرواح، وأرواح بلا أشباح.


ج: كأن عقولهم مألوسة، فهم لا یعقلون.


د: لیسوا برجال، بل لهم عقول ربات الحجال.


هـ: لهم حلوم الأطفال.


ثم إنه بقیت لهم أوصاف أخرى، نجملها على النحو التالی:


6 ـ إنهم یخونون أمانة صاحبهم، حتى لو أؤتمن أحدهم على قعب لخشی (علیه السلام) أن یذهب بعلاقته.


7 ـ إنهم یفسدون فی بلادهم.


8 ـ ما هم بركن یمال إلیه.


9 ـ لیسوا زوافر عز یفتقر إلیهم.


10 ـ تجار بلا أرباح.


11 ـ صاروا بعد الهجرة أعراباً.


ولعل مراجعة وافیة لكلماته صلوات الله وسلامه علیه تعطینا المزید مما یوضح حقیقة حالهم، وما آل إلیه أمرهم.












الصفحة 40


ولكن ما ذكرناه یكفی للإلماح إلى ما نرید.


هذا.. وقد نجد فی الفصل التالی بعض التوضیح لما ذكره (علیه الصلاة والسلام) فی بیان الحال التی هم علیها.


بقی علینا أن نشیر إلى أنه بالنسبة لقریش، وسائر العرب وموقفهم منه علیه آلاف التحیة والسلام، فإن ذلك یحتاج إلى مزید من البحث والتقصی، لعوامله وأسبابه، وبوادره، وآثاره نأمل أن نوفق لذلك فی الموقع المناسب إن شاء الله تعالى.












الصفحة 41